فصل: قال ابن كثير:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: [لو نسي الماء في رحله وتيمم]:

لو نسي الماء في رحله وتيمم وصلّى ثم علم وجود الماء لزمه الإعادة على أحد قولي الشافعي رحمه الله، وهو قول أحمد وأبي يوسف، والقول الثاني أنه لا يلزمه، وهو قول مالك وأبي حنيفة.
حجة القول الثاني أنه عاجز عن الماء لأن عدم الماء كما أنه سبب للعجز عن استعمال الماء، فكذلك النسيان سبب للعجز، فثبت أنه عند النسيان عاجز فيه، فيدخل تحت قوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} وحجة القول الأول أنه غير معذور في ذلك النسيان.

.فصل: [حكم من ضل رحله]:

إذا ضل رحله في الرحال ففيه الخلاف المذكور، والأولى أن لا تجب الإعادة.
المسألة الحادية والعشرون: إذا نسي كون الماء في رحله ولكنه استقصى في الطلب فلم يجده وتيمم وصلّى ثم وجده، فالأكثرون على أنه تجب الإعادة لأن العذر ضعيف.
وقال قوم: لا تجب الإعادة، لأنه لما استقصى في الطلب صار عاجزًا عن استعمال الماء فدخل تحت قوله: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا}.

.فصل: [حكم من صلى بالتيمم ثم وجد الماء بجانبه]:

لو صلّى بالتيمم ثم وجد ماء في بئر بجنبه يمكن استعمال ذلك الماء، فإن كان قد علمه أولًا ثم نسيه فهو كما لو نسي الماء في رحله، وإن لم يكن عالمًا بها قط، فإن كان عليها علامة ظاهرة لزمه الإعادة، وإن لم يكن عليها علامة فلا إعادة لأنه عاجز عن استعمال الماء، فدخل تحت قوله: {فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا} فهذا جملة الكلام في المسائل الفقهية المستنبطة من هذه الآية، وهي مائة مسألة، وقد كتبناها في موضع ما كان معنا شيء من الكتب الفقهية المعتبرة، وكان القلب مشوشًا بسبب استيلاء الكفار على بلاد المسلمين.
فنسأل الله تعالى أن يكفينا شرهم، وأن يجعل كدنا في استنباط أحكام الله من نص الله سببًا لرجحان الحسنات على السيآت أنه أعز مأمول وأكرم مسؤول. اهـ. بتصرف يسير.
وقال الفخر:
دلّت الآية على أنه تعالى مريد، وهذا متفق عليه بين الأئمة، إلاّ أنهم اختلفوا في تفسير كونه مُرِيْدًا، فقال الحسن النجار: أنه مريد بعمنى أنه غير مغلوب ولا مكره، وعلى هذا التقدير فكونه تعالى: {مَّرِيدًا} صفة سلبية، ومنهم من قال: إنه صفة ثبوتية، ثم اختلفوا فقال بعضهم: معنى كونه مريدًا لأفعال نفسه أنه دعاه الداعي إلى أيجادها، ومعنى كونه مريدًا لأفعال غيره أنه دعاه الداعي إلى الأمر بها، وهو قول الجاحظ وأبي قاسم الكعبي وأبي الحسين البصري من المعتزلة.
وقال الباقون: كونه مريدًا صفة زائدة على العلم، وهو الذي سميناه بالداعي، ثم منهم من قال: إنه مريد لذاته، وهذه هي الرواية الثانية عن الحسن النجار.
وقال آخرون: إنه مريد بإرادة، ثم قال أصحابنا: مريد بإرادة قديمة.
قالت المعتزلة البصرية: مريد بإرادة محدثة لا في محله وقالت الكرامية: مريد بإرادة محدثة قائمة بذاته، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن كثير:

وقوله: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} أي: فلهذا سهل عليكم ويسَّر ولم يعسِّر، بل أباح التيمم عند المرض، وعند فقد الماء، توسعة عليكم ورحمة بكم، وجعله في حق من شرع الله يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه، كما تقدم بيانه، وكما هو مقرر في كتاب «الأحكام الكبير». اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {مَا يريد الله ليجعل عليكم من حرج} تعليل لرخصة التيمّم، ونفي الإرادة هنا كناية عن نفي الجعل لأنّ المريد الّذي لا غالب له لا يحول دون إرادته عائق.
واللام في {ليجعل} داخلة على أن المصدرية محذوفةً وهي لام يكثر وقوعها بعد أفعال الإرادة وأفعال مادّة الأمر، وهي لام زائدة على الأرجح، وتسمّى لام أَنْ.
وتقدّم الكلام عليها عند قوله تعالى: {يُريد الله ليبيّن لكُم} في سورة النّساء (26)، وهي قريبة في الموقع من موقع لام الجحود.
والحرج: الضيق والشدّة، والحَرَجَة: البقعة من الشجر الملتفّ المتضايق، والجمع حَرَج.
والحَرج المنفي هنا هو الحرج الحِسّي لو كلّفوا بطَهارة الماء مع المرض أو السفر، والحرجُ النفسي لو مُنِعوا من أداء الصلاة في حال العجز عن استعمال الماء لضرّ أو سفرٍ أو فقد ماء فإنّهم يرتاحون إلى الصّلاة ويحبّونها. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة: دلت الآية على أن تكليف ما لا يطاق لا يوجد لأنه تعالى أخبر أنه ما جعل عليكم في الدين من حرج، ومعلوم أن تكليف ما لا يطاق أشد أنواع الحرج.
قال أصحابنا: لما كان خلاف المعلوم محال الوقوع فقد لزمكم ما ألزمتموه علينا. اهـ.
قال الفخر:
اعلم أن هذه الآية أصل كبير معتبر في الشرع، وهو أن الأصل في المضار أن لا تكون مشروعة، ويدل عليه هذه الآية فإنه تعالى قال: {مَّا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] ويدل عليه أيضًا قوله تعالى: {يُرِيدُ الله بِكُمُ اليسر وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العسر} [البقرة: 185] ويدل عليه من الأحاديث قوله عليه السلام: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» ويدل عليه أيضًا أن دفع الضرر مستحسن في العقول فوجب أن يكون الأمر كذلك في الشرع لقوله عليه السلام: «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن» وأما بيان أن الأصل في المنافع الإباحة فوجوه: أحدها: قوله تعالى: {خَلَقَ لَكُم مَّا في الارض جَمِيعًا} [البقرة: 29] وثانيها: قوله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} [المائدة: 4] وقد بينا أن المراد من الطيبات المستلذات والأشياء التي ينتفع بها، وإذا ثبت هذان الأصلان فعند هذا قال نفاة القياس: لا حاجة ألبتة أصلًا إلى القياس في الشرع؛ لأن كل حادثة تقع فحكمها المفصل إن كان مذكورًا في الكتاب والسنة فذاك هو المراد وإن لم يكن كذلك، فإن كان من باب المضار حرمناه بالدلائل الدالة على أن الأصل في المضار الحرمة، وإن كان من باب المنافع أبحناه بالدلائل الدالة على إباحة المنافع، وليس لأحد أن يقدح في هذين الأصلين بشيء من الأقيسة لأن القياس المعارض لهذين الأصلين يكون قياسًا واقعًا في مقابلة النص، وأنه مردود فكان باطلًا. اهـ.
قال الفخر:
قوله: {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ} اختلفوا في تفسير هذا التطهير، فقال جمهور أهل النظر من أصحاب أبي حنيفة رحمه الله: إن عند خروج الحدث تنجس الأعضاء نجاسة حكمية، فالمقصود من هذا التطهير إزالة تلك النجاسة الحكمية، وهذا الكلام عندنا بعيد جدًا، ويدل عليه وجوه:
الأول: قوله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] وكلمة {إِنَّمَا} للحصر، وهذا يدل على أن المؤمن لا تنجس أعضاؤه ألبتة.
الثاني: قوله عليه السلام: «المؤمن لا ينجس حيًا ولا ميتا» فهذا الحديث مع تلك الآية كالنص الدال على بطلان ما قالوه.
الثالث: أجمعت الأمة على أن بدن المحدث لو كان رطبًا فأصابه ثوب لم يتنجس، ولو حمله إنسان وصلّى لم تفسد صلاته، وذلك يدل على أنه لا نجاسة في أعضاء المحدث.
الرابع: أن الحدث لو كان يوجب نجاسة الأعضاء الأربعة ثم كان تطهير الأعضاء الأربعة يوجب طهارة كل الأعضاء لوجب أن لا يختلف ذلك باختلاف الشرائع، ومعلوم أنه ليس الأمر كذلك.
الخامس: أن خروج النجاسة من موضع كيف يوجب تنجس موضع آخر السادس: أن قوله: {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ} مذكور عقيب التيمم، ومن المعلوم بالضرورة أن التيمم زيادة في التقدير وإزالة الوضاءة والنظافة، وأنه لا يزيل شيئًا من النجاسات أصلًا، السابع: أن المسح على الخفين قائم مقام غسل الرجلين، ومعلوم أن هذا المسح لا يزيل شيئًا ألبتة عن الرجلين، الثامن: أن الذي يراد زواله إن كان من جملة الأجسام فالحس يشهد ببطلان ذلك، وإن كان من جملة الإعراض فهو محال، لأن انتقال الأعراض محال، فثبت بهذه الوجوه أن الذي يقوله هؤلاء الفقهاء بعيد.
الوجه الثاني: في تفسير هذا التطهير أن يكون المراد منه طهارة القلب عن صفة التمرد عن طاعة الله تعالى، وذلك لأن الكفر والمعاصي نجاسة للأرواح، فإن النجاسة إنما كانت نجاسة لأنها شيء يراد نفيه وإزالته وتبعيده، والكفر المعاصي كذلك، فكانت نجاسات روحانية، وكما أن إزالة النجاسات الجسمانية تسمى طهارة فكذلك إزالة هذه العقائد الفاسدة والأخلاق الباطلة تسمى طهارة، ولهذا التأويل قال الله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} فجعل رأيهم نجاسة، وقال: {إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرجس أَهْلَ البيت وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] فجعل براءتهم عن المعاصي طهارة لهم.
وقال في حق عيسى عليه السلام: {إِنّي مُتَوَفّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَىَّ وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ} [آل عمران: 55] فجعل خلاصه عن طعنهم وعن تصرفهم فيه تطهيرًا له.
وإذا عرفت هذا فنقول: إنه تعالى لما أمر العبد بإيصال الماء إلى هذه الأعضاء المخصوصة وكانت هذه الأعضاء طاهرة لم يعرف العبد في هذا التكليف فائدة معقولة، فلما انقاد لهذا التكليف كان ذلك الانقياد لمحض إظهار العبودية والانقياد للربوبية، فكان هذا الانقياد قد أزال عن قلبه آثار التمرد فكان ذلك طهارة، فهذا هو الوجه الصحيح في تسمية هذه الأعمال طهارة، وتأكد هذا بالأخبار الكثيرة الواردة في أن المؤمن إذا غسل وجهه خرت خطاياه من وجهه، وكذا القول في يديه ورأسه ورجائه.
واعلم أن هذه القاعدة التي قررناها أصل معتبر في مذهب الشافعي رحمه الله، وعليه يخرج كثير من المسائل الخلافية في أبواب الطهارة، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {ولكن يريد ليطهّركم} إشارة إلى أنّ من حكمة الأمر بالغسل والوضوء التطهير وهو تطهير حسّي لأنّه تنظيف، وتطهير نفسي جعله الله فيه لمّا جعله عبادة؛ فإنّ العبادات كلّها مشتملة على عدّة أسرار: منها ما تهتدي إليه الأفهام ونعبر عنها بالحكمة؛ ومنها ما لا يعلمه إلاّ الله، ككون الظهر أربع ركعات، فإذا ذكرت حكم للعبادات فليس المراد أنّ الحكمَ منحصرة فيما علمناه وإنّما هو بعض من كلّ وظنّ لا يبلغ منتهى العلم، فلمّا تعذّر الماء عوّض بالتيمّم، ولو أراد الحرج لكلّفهم طلب الماء ولو بالثّمن أو ترك الصّلاة إلى أن يوجد الماء ثُمّ يقضون الجميع.
فالتيمّم ليس فيه تطهير حسّي وفيه التّطهير النّفسي الذي في الوضوء لمّا جُعل التّيمّم بدلًا عن الوضوء، كما تقدّم في سورة النساء. اهـ.

.قال الفخر:

أما قوله: {وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} ففيه وجهان:
الأول: أن الكلام متعلق بما ذكر من أول السورة إلى هنا، وذلك لأنه تعالى أنعم في أول السورة بإباحة الطيبات من المطاعم والمناكح، ثم إنه تعالى ذكر بعده كيفية فرض الوضوء فكأنه قال: إنما ذكرت ذلك لتتم النعمة المذكورة أولًا وهي نعمة الدنيا، والنعمة المذكورة ثانيًا وهي نعمة الدين.
الثاني: أن المراد: وليتم نعمته عليكم أي بالترخص في التيمم والتخفيف في حال السفر والمرض، فاستدلوا بذلك على أنه تعالى يخفف عنكم يوم القيامة بأن يعفو عن ذنوبكم ويتجاوز عن سيئاتكم.
ثم قال تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} والكلام في «لعل» مذكور في أول سورة البقرة في قوله تعالى: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21]، والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {وليتمّ نعمته عليكم} أي يكمل النّعم الموجودة قبل الإسلام بنعمة الإسلام، أو ويكمل نعمة الإسلام بزيادة أحكامه الرّاجعة إلى التزكيّة والتطهير مع التيْسير في أحوال كثيرة.
فالإتمام إمّا بزيادة أنواع من النّعم لم تكن، وإمّا بتكثير فروع النّوع من النّعم.
وقوله: {لعلّكم تشكرون} أي رجاء شكركم إيّاه.
جعل الشكر علّة لإتمام النّعمة على طريقة المجاز بأن استعيرت صيغة الرجاء إلى الأمر لقصد الحثّ عليه وإظهاره في صورة الأمر المستقرب الحصول. اهـ.